إن توظيف التكنولوجيا لمعالجة مشكلة من الواقع يعد من أبهى وأفضل صور الاستفادة من التكنولوجيا، ولا شك أن واقع الحروب التي تعيشها حالياً منطقتنا فرض علينا عدد لا متناهي من المشاكل التي تحتاج إبداعات أبنائها لحلها، فلا يمكن لأحد أن يعلم بالمشكلة وأن يجد لها الحلول أكثر من صاحب المشكلة نفسه. لا يمكن إنكار أهمية مثل هذا المشروع الذي سنتكلّم عنه موسّعاً كتقرير ومقابلة مع الفريق المصمّم، ففي بلدان يزداد فيها عدد المقعدين لأسباب طبيعية أو قاهرة يمكن بمشاريع محليّة وضع حلول تعيد للمقعدين الوظيفة الحيويّة “المشي” وخاصة أن معظم البلدان العربيّة تفتقر أساساً لبنية تحتية تسمح للمقعدين بممارسة حياة طبيعية باستخدام كرسي الحركة مما يجعل لمشروع مثل مشروع اليوم أهمية أكبر.
عن المشروع
في هذه الإضاءة الهندسية سنسلط الضوء على مشروع تخرج لمجموعة من طلاب جامعة دمشق وتحديداً كلية الحواسيب والأتمتة (الهمك) وهم (بالترتيب الأبجدي): إيمان المصري وبيان مندو وديمة غانم ومحمد بكر جليلاتي ومحمد الناشف وخالد دلة وياسين حمامة. قامت هذه المجموعة بدراسة وتصميم وتنفيذ هيكل روبوتي داعم للقسم السفلي للإنسان بشكل يسمح للمقعدين بتحقيق مشي متوازن باستخدامه وبتحكم إشارات دماغيّة من المقعد نفسه.
ExoBrainTon Thesis
يعتمد المشروع على إشارات الدماغ الصادرة من المُقعد للتحكم بالهيكل وذلك باستخدام تقنية تسمى Brain-Computer Interface BCI تقوم بترجمة إشارات الدماغ (نيّة الحركة) للمقعد إلى إشارات كهربائية خارجية قادرة على تنفيذ أوامر محّددة. يتم تسجيل هذا النشاط الكهربائي من الدماغ وتسمى هذه الإشارة المسجّلة بـ EEG ومن تحديات المشروع أن هذه الإشارة حسّاسة للغاية ومن الممكن أن تتأثر بإشارات كهربائية داخلية حيويّة أخرى أو خارجية وهذا ما تم حلّه باستخدام مرشحات معيّنة. إن للإشارات الدماغية مواصفات وطرق تحصيل معيّنة، حيث لكل منطقة من الدماغ وحالة للجسم (استيقاظ/نوم مثلاً) صفات كهربائية محدّدة على مستوى شكل الإشارة ومطالها وترددها الذي يمتد بين 0.5 و 100 هيرتز. يمكن الرجوع للتقرير الخاص بالمشروع للحصول على معلومات أكثر عن الجهاز العصبي والمراكز المسؤولة عن تنفيذ الحركة.
يكفي ذكر أن التعامل مع إشارات بتغيرات من رتبة 10 ميلي فولت لو تم تسجيلها من القشرة الدماغية مباشرة ومن رتبة 100 ميكرو فولت لو تم تسجيلها من فروة الرأس هو تحدي حقيقي. يجب على مستخدم أي نظام يحوي BCI كما يذكر تقرير المشروع أن يقوم بنوع من التدريب حتى يستطيع توليد إشارة تحكم فعّالة وهذا ما يسمّى بالاستراتيجيات العقليّة Mental Strategies وتُختتم هذه المرحلة بمعالجة الإشارة المحصّلة من خلال إزالة الضجيج واكتشاف ميزات الإشارة Feature Extraction وتحديد نمط وتصنيف الإشارة Classification.
ويقف خلف معالجة الإشارة عمليات رياضية طويلة ومعقّدة فعلى سبيل المثال، يقدم الفريق في التقرير دراسة عن عدم كفاية استخدام تحويل فورييه FT وتحويل فورييه القصير زمنياً STFT للحاجة ليس فقط للمركبّات التردديّة مع المطال وإنما مع التغيرات الزمنيّة أيضاً، لذلك استخدم الفريق نظرية المويجات wavelet theory لحل المحدودية في تحويل فورييه. ويحوي التقرير على شرح مفصّل للأسس الرياضيّة المستخدمة في المشروع.
وبالحديث عن الهيكل الروبوتي والذي يعد من النوع القابل للارتداء Wearable Robots الداعمة Exoskeletons فإن المشروع وكأي تصميم هندسي عانى من تحديات ومنها: تأمين التغذية الفعّالة للهيكل ومحركاته وأيضاً تحدي تحديد نوع المحرّكات من بين الأسطوانات الهيدروليكيّة ومحركات السيرفو والعضلات الاصطناعية الهوائيّة وتحدي اكتشاف الحركات غير الآمنة وغير ذلك.
باعتبار أن هذا المشروع هو لتنفيذ حركة متوازنة، فكان لابد للفريق من إجراء بحث ودراسة رياضية وتحليل النماذج الرياضيّة للحركة وهذا ما يوجد بشكل تفصيلي في تقرير المشروع. كما تم استخدام برنامج Solidwork لتصميم الهيكل وعمل بعض الاختبارات.
بالحديث عن التنفيذ العملي، فإن النظام المصمّم بحاجة إلى قيادة برمجيّة وهذا ما تم تطويره باستخدام نظام برمجة الروبوت ROS وهو نظام معروف يوفّر معظم الأدوات التي يحتاجها أي مطوّر تطبيقات روبوتات من محاكيات ومكاتب مختلفة وأدوات تنظيم مهام. قمنا في عتاديات بتوفير سلسلة شروحات عن هذا النظام وأيضاً كان نصيب إضاءة هندسية ماضية أن تحوي نظام ROS فيها وهي نظام الروبوتات المتعاونة تنفيذ فريق إيليت من مصر. يأتي استخدام نظام مثل ROS لتنظيم المهام مع بعضها حاجة ملحّة في تطبيق روبوتي معقّد يحتوي حسابات رياضية ومعالجة كثيرة ومتعددة الأغراض. يظهر مثلاً في تقرير المشروع محاكاة لحركة الهيكل الروبوتي باستخدام المحاكي Gazebo.
قام الفريق بمراحل تطويريّة عدّة ابتدأت ببناء نموذج خشبي وإجراء دراسات وتحصيل قيم للانطلاق في التصميم الحقيقي واشتمل التطبيق العملي على عدة تجهيزات ومنها: حاسب مراقبة بعيد عن الهيكل وحاسب داخلي وعليه نظام ROS للتحكم العام وقراءة الحساسات ومهام أخرى. لم يخلُ المشروع من استخدام Arduino لقراءة الحساسات التي شملت خلايا وزن Load Cells وحساسات تسارع من نوع MPU6050 ونهاية وبالحديث عن المحركات فقد تم استخدام محركات من نوع DYNAMIXEL والمخصّصة للتطبيقات الروبوتيّة.
والآن سننتقل للجزء الأهم وهو المقابلة مع هذا الفريق المبدع.
المقابلة
[عتاديات]: لاشك أن هدف المشروع هو بحثي وأيضاً لحل مشكلة متفاقمة في المجتمع المحلي، هل يمكن إخبارنا عن كيفية اختياركم لهذا المشروع وأهدافه أكثر؟
[الفريق]:
بدأ التفكير بالموضوع كأي مجموعة طلاب طموحين يسعون لاستثمار مشروع تخرجهم لتقديم خدمة للمجتمع، وبسبب الحرب التي تدور في بلدنا، والإصابات التي تفاجئ أحد أقربائنا أو معارفنا كل فترة، كانت (الخدمة الإنسانية) هي الخدمة الأكثر ترجيحاً لتقديمها من خلال المشروع.
لذلك تم التفكير بكيفية استثمار المهارات التي لدينا في مجال البرمجة والتصميم والتحكم لتقديم خدمة إنسانية تساعد متضرري الحرب، وبعد بحث في المشاريع العالمية، والتوجهات الجديدة التي يتم العمل عليها، تم الاتفاق على عمل هذا الهيكل الروبوتي الداعم كمحاولة لمساعدة المقعدين على استعادة حركة المشي التي فقدوها.
على التوازي مع تفكيرنا بهذا التطبيق، كان لدينا سعي لإضافة المزيد من التحدي للمشروع، من خلال استخدام تقنية BCI المختصّة بتواصل الدماغ مع الحاسوب، والتي لا تزال قيد البحث والتطوير على مستوى أكبر الشركات ، لما فيها من صعوبات وتحدّيات، والتي تهدف في نهاية المطاف لإصدار الأوامر التحكمية بمجرّد تفكير الإنسان في هذه الأوامر فقط لا غير.
بالتالي كانت هدفنا في بداية العام الدراسي: تصميم وتنفيذ روبوت قابل للارتداء بحجم قريب من حجم القسم السفلي من جسم الإنسان، والتحكم بهذا الهيكل الروبوتي من خلال الإشارات الدماغية للمستخدم.
[عتاديات]: المشروع ضخم ومتشعّب جداً. كيف استطعتم السيطرة عليه وتوزيع المهام بينكم؟ وماهي أبرز التحديات المختلفة التي واجهتكم؟
[الفريق]:
فعلاً كان تشعّب المشروع تحدي مهم، وتهديداً لاستمراريته ، لكن بفضل الإشراف والتنظيم الذي قدّمه لنا الأستاذ المشرف المهندس حسن نوفل، و روح العمل الجماعي التي تمتّع بها فريقنا، استطعنا توزيع المهام وإدارتها بما يتناسب مع إمكانيات كل شخص في الفريق.
إذا أتينا على ذكر التحديات فهي كثيرة .. ونذكر أبرزها:
- قلّة المصادر العملية التي تقدّم طرق التنفيذ للأفكار النظرية التي تم تحصيلها.
- الحاجة لمكان ثابت للعمل ،حتى لا نضطر لنقل التجهيزات والطابعة ثلاثية الأبعاد ومختلف الأدوات في كل مرة نحتاج فيها للعمل.
- الانقطاع المستمر، وغير المنتظم للكهرباء، مما يؤثر سلباً على عمل الطابعة ثلاثية الأبعاد.
- غلاء سعر بعض التجهيزات، وعدم توفّر بعضها الآخر في أسواق البلد.
- تزامن العمل على المشروع مع الواجبات الدراسية الأخرى، من وظائف وأبحاث واختبارات.
وقد تجاوزنا معظم هذه التحديات بفضل الدعم الذي قدّمته لنا مبادرة طموح في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية و التي كان على رأسها مشرف مشروعنا المهندس حسن نوفل .
[عتاديات]: ماهي نصائحكم لأي باحث/طالب يريد الخوض في هذا المجال. ماهي المراجع والأسس النظريّة والعمليّة التي يجب التركيز عليها قبل البدء؟
[الفريق]:
بداية وقبل الخوض في هذا المجال يجب على الطالب أن يتحلى بروح الصبر والعزيمة للوصول إلى نتيجة مرضية.
فعندما نتحدث عن الاشارات الدماغية هذا يعني أنه علينا امتلاك معرفة بعلم الأعصاب وماهية إشارات الدماغ ومتى وأين ينشط كل نوع منها، وغالباً ما يكون طالب الهندسة بعيد عن هذه التفاصيل نسبياً.
وأيضاً يجب الإلمام ببعض خوارزميات تعلم الآلة Machine Learning والتي تعتبر جزء مهم في هذا المجال.
بالإضافة لذلك يجب امتلاك خبرة جيدة في نظام تشغيل Linux الذي كان النظام الأساسي في الحاسوب المسؤول عن حركة الروبوت .
لا يوجد مرجع محدد يجب الاعتماد عليه، الانترنت مليء بالمراجع والاوراق البحثية التي قد تخدم هذا المجال، ولكنها تفتقر للتطبيقات العملية التي قد تساعد في إنجاز المشروع, حيث كانت في معظمها معلومات نظرية بحتة.
[عتاديات]: هل لكم أن تضعوا القارئ لمحة عن مراحل المشروع وكل مرحلة كم استهلكت من الوقت المخصّص له؟
[الفريق]:
لم تكن البداية بالأمر السهل فقد استغرقت عملية البحث وجمع المعلومات الفصل الدراسي الأول كاملاً، والتنفيذ العملي لما تعلمناه تم في الفصل الدراسي الثاني فقد استغرقت مرحلة تسجيل الإشارات الدماغية حوالي الشهرين، في حين أن عملية التصميم و الطباعة استغرقت حوالي ثلاثة أشهر.
بينما استغرقت مرحلة تطوير خوارزمية المشي و إيجاد و ضبط أدوات ROS المناسبة للهيكل الداعم أيضا حوالي ثلاثة أشهر .
كانت بعض أجزاء هذه المراحل تتم على التفرع بينما في أجزاء أخرى كنا في حاجة للتسلسل في العمل .
[عتاديات]: لا بد أنكم قد اطلعتم على أحدث التقنيات في مجال الهياكل الداعمة؟ ماهي التطويرات التي يمكن إضافتها إلى التصميم مستقبلاً؟
[الفريق]:
يوجد العديد من الإضافات التي ترقى بالهيكل الروبوتي ليصبح أكثر كفاءة في عمله:
-
- يمكن جعل الأطراف الروبوتية قابلة للتعدّيل بحيث يتناسب طولها مع المستخدم ، وبالتالي نستطيع تصنيع هيكل واحد يلائم عدّة مستخدمين، بدل تصنيع هيكل خاص للمستخدم متوافق مع طول أطرافه.
- تأمين مصدر مناسب للطاقة، بحيث يتم تشغيل الهيكل لفترة أطول ما يمكن وبنفس الوقت مراعاة حجم مصدر التغذية ووزنه.
- تحسين خوارزمية المشي لتصبح قادرة على معالجة تغيرات البيئة المحيطة، وأكثر سلاسة و قرباً للحركة البشرية .
[عتاديات]: ما هي خططكم المستقبلية مع المشروع؟ ماهي احتياجاتكم لدعم المشروع للاستمرار؟ هل لديكم رسالة تريدون توجيهها للقارئ؟
[الفريق]:
لدينا نيّة للاستمرار بتطوير المشروع، والوصول به مستقبلاً لمنتج يخدّم مجتمعنا المحلي، وطموحنا على المدى البعيد الوصول لمنتج على المستوى العالمي.
لهذه الغاية نحن بحاجة لدعم شركات مختصة بهذا المجال لتغطية تكاليف الأدوات والتطويرات اللازمة، وذلك يحتاج منّا أيضاً نوعاً من التفرّغ والاستقرار، فالأمر لا يزال يحتاج للكثير من البحث والتجريب.
في النهاية، نوجّه للقارئ الكريم رسالة بأن يؤمن بقدراته وقدرات أبناء بلده أكثر، وأن لا يبخل ولو بالدعم المعنوي للمشاريع التي قد يراها الكثيرون بعيدة المنال أو صعبة التنفيذ.
ونخصّ برسالتنا القرّاء من أصحاب التخصصات التقنية بألا يوفّروا جهداً في التفكير بمشاكل مجتمعهم، فنحن بأمسّ الحاجة لتسخير التقنيات المختلفة بطرق عملية لتحسين واقع مجتمعاتنا.
[عتاديات]: شكراً جزيلاً لكم على وقتكم وقبول إجراء هذه المقابلة معكم، هل يوجد إيميل لمن يريد التواصل معكم؟
[الفريق]: سعدنا بهذه المقابلة، والشكر لكم على اهتمامكم وعلى جميع المقالات الرائعة التي تنشرونها في مدونتكم.
ويمكن التواصل معنا من خلال عنوان البريد الإلكتروني : exobrainton@gmail.com
بارك الله بكم
شي جميل جداً
بس نصيحة .. لاتنتظروا الدعم …
وشكراً لادارة الموقع